مذبحة الألف مصالي أو حكاية دم تفرق بين قبائل بـسكرة وبوسـعادة والجلـفة..
[b][b]بأوامر وتآمر من العقـيد محمد شعـباني في مارس 1962 :
مذبحة الألف مصالي أو حكاية دم تفرق بين قبائل بـسكرة وبوسـعادة والجلـفة..
بداية
التحقيق كانت من تلميح مقتـضب وعابر للعقـيد المتقاعد أحمد بن الشريف، في
آخر خرجة إعلامية له، حيث ذكر أثناء دفاعه عن تاريخه من تهمة أنه كان
المنصة التي تم عبرها تنفيذ حكم الإعدام في حق العقـيد شعباني، بأن شعباني
نفسه قد أعدم 750 مصاليـست دون محاكمة. ورغم أن التصريح كان قنبـلة ومفتاح
ورقة دموية تم إتلافها من سجلات ما بعد الثـورة، إلا أن الكونـيل المتقاعد
بن الشريف اكتفى بالتلميح إليها ودخل في حملة للرد على ما يعنيه وما يعني
شخصه بعدما أصبح اسمه مـرادفا للألغام التاريخية التي جعلت منه مشـجبا
تعلق عليه زلات وأخطاء الثورة التي لم تستثن في سبيل استقلالها حتى أكل
أبنائها إذا ما فرضت عليها ظروف الصراع ذلك..
البلاد..
تحركت في اتجاهات عدة بحـثا عن القصة الكاملة للمجزرة المقبورة وللقبور
التي لا تحمل من شواهد ومخانق عد كلمة عابرة تفوه بها العقيد المتقاعد
أحمد بن الشريف ليبرئ ذمته من دم شعباني برمي ورقة مبتورة من مجلدات مجزرة
تاريخية أراد أن يهش بها على من يجرون اسمه إلى مستنقعات الحساب والعقاب
ليبعث لهم إشارة أن العقيد شعباني كان طرفا فاعلا في ملوزة ثانية ومنسية
تمت التغطية عليـها في مسرحية تبييض التاريخ،.. ملوزة مغيبة أو مذبحة وخنق
لما يفوق الـ750 مصاليا بأمر مباشر من شعـباني، تلكم حكاية دم تفرق بين
القبائل والقصة تبدأ من جبال زكار بالجلفة مرورا بمنطقة رأس الضبع
ببوسعادة وتنـتهي عند مدفنة عين الدابة ببسكرة.. فإلى فصول ملوزة ثانية أو
أغرب مذبحة لم يسمع عنها أحد.. فمن يعرف جيش الرائد عبد الله سلمي ومن
لايزال يذكر أو يجرؤ على تذكر كتيبة البشير لاغواطي؟
قبل
البـدء.. ذاكرةلمطـرّوش المنسي أصعب مهمة يمكن أن يصطدم بها أيا كان هي
استنطاق المقابر والمقبورين والسعي وراء الحقيقة الغائبة أو المغيبة من
خوف أو عن قصد وربما ندم ومهمة تقصينا لهذه القضية اصطدمت بسياج من الصمت
أو اللامبالاة، فبعض من قصدناهم لمعرفة ما جرى بالأمس كحق تاريخي للأجيال
اعتبروا أن الثورة جبّت ما قبلها وأن بحثنا في الموضوع مجرد استرزاق صحفي،
وآخرون اكتفوا بأن ذاكرتهم خانتهم أو أخافتهم.
وبين هؤلاء وأولئك
كانت رحلة بحثنا قد انحرفت عن مسار البحث عن الحكاية الدموية التي قال
فيها الكونيل بن الشريف كليمة، إلى البحث عن شخص بعينه يلقب بـالمـطرّوش
إبان الثورة دلنا عليه أكثر من واحد واسمه بالكامل بلـخضر اعمارة.. قيل
لنا عنه الكثير ومن دلنا عليه زودنا بحكاية أغرب من الخـيال عن كهل يرتدي
قشابية أو جلابية رثة ووجهه اعتراه التراب ويداه مدممتان وخشنتان من شدة
الحفر والحرث، اخترق ذات زيارة وزارية من سنة 1980 نشاطا رسميا كان مقاما
بمناسبة إحياء ذكـرى معركة 48 ساعة بمنطقة تدعى جريبيع تابعة لبلدية عمورة
التي تتوسد جبل بوكحيل، ليقاطع ذلك العجوز الرث والحطاب مسؤول المنظمة
بولاية الجلفة الذي كان يشرح أحداث معركة 48 ساعة لوفد وزاري يقوده يوسف
يعلاوي، الأمين العام لمنظمة المجاهدين الأسبق، متحديا إياه أمام الملأ إن
كان المكان الذي أشار إليه المسؤول المعني كازمة ليلجم الكهل إياه
الحاضرين بمن فيهم يعلاوي ويخبرهم بأن ما يحويه المكان المشار إليه قبرا
للمجاهد الفلاني وبعد التنقيب صدق الرجل ذو الحياة المتجعدة وكذب مسؤول
المنظمة، ليركب العجوز حمـاره ويغادر النشاط الرسمي بعدما سلم للمسؤولين
رسالة يترجاهم من خلالها أن يكتبوا التاريخ وألا يزوروه .. فقط يكتبونه
ولا يهم أن تجاهلوا أو ذكروا بين صحائفه حكاية "المطرّوش" أو المجاهد
اعمارة بلخضر الذي يمتلك أكثر من شاهد وشهداء ومواقع تبرهن على أنه كان
"مطرّوشا" ويقصد بها "المجنون" والمتهور الذي استشهد بين ذراعيه بدلا من
شهيد واحد عشرات الشهداء ليبقى هوحيا ومعه حمار يخلف حمارا ليؤنسه في تنكر
جزائر الاستقلال لأكثر من شهيد حي رفض أن يتقاضى أجرة على جهاده لينساه
التاريخ وتنساه مديريات المجاهدين، والذنب ذنبه والسلطة لا تعترف بمن
تنازل عن جهاده من أجل جـهاده.. عمي اعمارة ذلك الذي كان كهلا في سنة
1980، وكان قبلها في سنوات الثورة مجاهدا مطروشا لا يتوانى عن أن يكون
جزءا من النار.
وحكايتـه مع الكفاح المسلح بدأت سنة 1956،
ففي البدايات الأولى لوصول الثورة إلى منطقة الجلفة وجد نفسه جنديا في
صفوف جيش زيان عاشـور الذي كان من أقرب مقربيه رجل كبير ومجاهد معروف
وطنيا يدعى لخضر الساسوي، ولقبه الرسمي الحاج لخضر الرويني وقصته أكبر من
أن تروى في سـطور كونه كان مقربا جدا من الشهيد زيان عاشور وكذا من الرائد
عمر أدريس، كما أنه كان رفيق هذا الأخير في رحلته إلى المغرب لجلب السلاح،
والمهم أنه كما أن جزائر الاستقلال لم تعط المجاهد المرحوم، لخضر الساسوي،
حقه كقائد وكمعلم ثوري كان من أوائل الذين التحموا وريح الجبل، كما أنه
كان مصدر تجنيد الكثيرين من النوائل الذي ينتمي إليهم نسبا ليتم نسيانه،
فإن الجزائر نفسها تناست من جندهم ومنـهم المطرّوش الذي كان مقربا إليه
حتى بعد الاستقلال.
وقد سعى المجاهد لخضر الساسوي مع المطروش لكي
يستخرج له شهادة اعتراف بمشاركته في الثورة بعدما التقى القائد جنديه الذي
انقطع عنه خلال السنوات الأولى للاستقلال، إلا أن الرجلين اصطدما بالإدارة
ـ في سنوات السبعينيات ـ تطلب من القائد لخضر الساسوي أن يقنع مجنـده
المطرّوش بشهادة الاعتراف بالجهاد مقابل أن يقر ويقبل بأنه التحق بالثورة
سنة 1961 بدلا من سنة 1956، وهو ما اعتبره المجند تزييفا وتزويرا لتاريخه
وحقه بأنه كان موجودا وسباقا لحمل السلاح ليختفي مرة أخرى ويختار مصاحبة
حماره الملازم له حتى الحين، والواقعة حسب ما ذكرها عمي اعمارة لالبلاد
حدثت سنة 1978.
...